دليل التَّمانُع بين المُثْبِتين والمُعارِضِين
Abstract
الحمد لله وكفى، وسلام على عِباده الذين اصطفى، وبعد ... فهذا بحثٌ بعُنوان: دليل التَّمانُع بين المُثْبِتين والمُعارِضِين.
ومما دفعني لاختيار هذا البحث بيان حقيقة منهج السلف والمتكلمين من دليل التمانع، وبيان الفرق بينهما في طرائق الإستدلال على هذا الدليل، وردهم على المخالفين الرافضين لدليل التمانع.
وقد اقتضت طبيعة الدراسة استخدام المنهج الوصفي في بيان منهج السلف والمتكلمين، ثم المنهج التحليلي لأقوالهم بتحليلها من خلال النسق الفكري الذي تنتمي إليه، ومحللاً لعناصرها وأسسها، والمنهج المقارن له أثر أساسي مع التحليل والنقد، فقد حاولت من خلاله بيان أوجه التشابه أو الاختلاف بين السلف والمتكلمين.
وتبين من خلال البحث:
1-مفهوم دليل التمانع في الكتاب والسنة، وأُصُوله العقائِدِيَّة من خِلال القُرْآن الكريم، والفرق بين المتكلمين وعلماء السلف في مفهوم وأدلة دليل التمانع، وبيان غلط المتكلمين، وموقف علماء السلف منه، ثم بيان منهج علماء السلف في فهم دليل التمانع، وتبين من خلال البحث أن دليل التمانع برهان تام على توحيد الربوبية ، وهو امتناع صدور العالم عن اثنين، فلو كان مع الله إله لما انتظم أمر الخلق ولفسد حال الكون، فدل انتظام أمر الخلق وصلاح حال الكون على أنه لا إله إلا هو سبحانه جل جلاله وتقدست أسماؤه، وهذا يفهم من قول الله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِن إِلٰهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلٰهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعضُهُم عَلىٰ بَعضٍۚ سُبحانَ اللَّهِ عَمّا يَصِفونَ} [المؤمنون: 91]. لهذا فإن من وجوه غلط المتكلمين هو استدلالهم على دليل التمانع بقول الله تعالى: ﴿لَو كانَ فيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبحانَ اللَّهِ رَبِّ العَرشِ عَمّا يَصِفونَ﴾ [الأنبياء:22].
2- الفرق بين منهج السلف في إثبات دليل التمانع من خلال الآية الأولى، وبين ما فهمه المتكلمون من خلال الآية الثانية واضح في موضعين: أولهما: في زمن التقدير الممتنع. فالتمانع في الآية الأولى بعد وجود الموجودات وليس قبلها، فإن وجودها بلا فساد في تدبيرها يدل على امتناع تقدير وجود إلهين مستحقين للعبادة. بخلاف المتكلمين فيجعلون زمن التمانع قبل وجود الموجودات، فيكون إما عند إراداتها في قول بعضهم أو عند فعلها في قول الآخرين! والأمران مختلفان كما تبين خلال البحث.
3-التمانع في كتاب الله وارد لإبطال الشرك الواقع من المخاطبين في العبادة، ومبني على ما استقر في فطرهم من الإفراد في الربوبية وعلى أحكام الربوبية المشاهدة السائرة في الوجود من انتظام الوجود على نظام واحد بلا فساد. أما التمانع في مراد المتكلمين فوارد لإبطال قول الفلاسفة بقدم العالم؛ لأنه عندهم معلول لعلة تامة لا يتخلف عنها معلولها بحال، فلا تكون إلا معه، فإذا كان قديما كانت قديمة معه، فلا يكون للرب على قولهم صنعة للعالم ولا اختراع له، ثم هو تمانع مبني على ملاحظة قواعد المنطق وطرائق تقريراته نفسها التي بنى عليها الفلاسفة قولهم بقدم العالم.
