نظرية المعرفة ومصادرها في بناء الفكر الإنساني
Abstract
تمثل نظرية المعرفة في العلوم الإنسانية إحدى المحاور الأساسية للدراسات الفلسفية الحديثة. كما أنها في المنظور المنهجي تسهم في معالجة معظم القضايا التنظيرية سواء من ناحية مستوياتها أو مصادرها أو رسائلها. ويتباين ذلك بتباين المجال الموضوعي كما هو الحال في علم الكلام أو التصوف أو التفسير في العلوم الشرعية، أو في الفلسفة أو علم النفس أو اللغة في العلوم الإنسانية أو في علم الاجتماع أو التربية أو المكتبات في العلوم الاجتماعية، أو في علم الجيولوجيا أو الفيزياء أو الفلك في العلوم الطبيعية.
ونظرية المعرفة كانت ومازالت موضع اهتمام المفكرين والباحثين الراغبين في الوصول إلى الحقيقة واليقين العلمي .
ولقد أسهمت في ذلك المجال عقول المفكرين في معظم الحضارات على مر العصور، إلا أن الحضارة الإسلامية بصفة خاصة قد تميزت بمنظومتها الفكرية التي تجعل الوحي الإلهي وخلافة الإنسان في الأرض منطلقين أساسيين لأي وحدة تنظيرية تستهدف البحث عن الحقيقة ، تقودنا بداية البحث في الإبستومولوجيا أو ما يسمى بـ " نظرية المعرفة " إلى البحث في مفهوم العقل، إذ على مفهوم العقل يعتمد كل ما يتعلق بالمعرفة ومصادرها.
اذ إن القول بوجود "علم ضروري" يعني أن بإمكان العقل البشري - نظريًّا في الأقل- التوصل إلى "المعرفة اليقينية"، وهي في كل الأحوال معرفة مكتسبة، أي معرفة تتراوح مستوياتها من الخطأ إلى الوهم فالشك فالظن فاليقين.
غير أن الوصول إلى اليقين - معرفة الشيء كما هو عليه في الواقع- أمر لا يمكن أن يستقل به العقل البشري دائمًا، وحتى عندما يكون ذلك ممكنًا فإنه على مستويات جزئية فحسب وليست كلية. فالوصول إلى المعرفة الكلية حيث "العلة الأولى" أمر غير ممكن بدون "مصدر معرفة خارجي"، هو في المحصلة مدبر الكون والقوة الخالقة المطلقة وهو (الله عز وجل ). وعلى هذا، فالوصول إلى اليقين العقلي (المعرفي) يشترط وجود "الوحي" في ضمن مكونات نظرية المعرفة.
كما ذكر القرآن كذلك وظائف للعقل مثل: التذكر والتفكر والنظر والذكر والفقه والتدبر، لتدل كلها على ما يدل . والعلاقة بين العقل والحواس في القرآن تقوم:
أ- على عدم الاقتصار على كل واحد منهما بعينه، وعدم تفسير الآخر به، فلا الحس عقلاً، ولا العقل حسا، وإنما كلاهما مخلوق لله في طبيعة الإنسان المخلوقة لله سبحانه، والمشمولة برعايته وعنايته.
ب- يجتمع على الحس والعقل معا، فالحس ليس طريقا وحيدا، كما أنه ليس طريقا مستقلا، وإنما تعمل الحواس والعقل معا. كما يقول الله سبحانه: ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) الاسراء 36
ج- الحواس والعقل معا في مجال المحسوسات فحسب، وإن كان العقل منفردا بقوانينه في معرفة ما وراء عالم الشهادة.
وهكذا فان البحث قد تناول إمكانية العقل كمصدر للمعرفة وكذلك إمكانية الحواس في بناء الفكر الانساني وكيف أن الشك يصل بنا الى اليقين المعرفية كدرجة من درجات المعرفة العلمية والوصول الى اليقين محاولا الوقوف على بعض الامثلة في بيان نظرية المعرفة في الفكر الغربي و الاسلامي .
وهكذا فان البحث قد تناول مفهوم نظرية المعرفة وعلاقتها بالعلم ..وكيف يمكن التمييز بين المعرفة كنظرية وبين العلم كقانون , ثم تناولنا علاقة العقل بالحواس في بناء المعرفة الإنسانية وتأثير كل واحدة منهما في الاخرى .. وكذلك تناول البحث نماذج من نظرية المعرفة عند فلاسفة الغرب وفلاسفة الإسلام وكيف نظر القران الكريم للمعرفة من وجهة نظر مستقلة .