صورة مجتمع جميل بثينة في شعره

Authors

  • عبده يحيى صالح الدباني استاذ مشارك بقسم اللغة العربية – كلية التربية – جامعة عدن

Abstract

جذبت ظاهرة الغزل العذري في العصر الأموي اهتمام الدارسين قديما وحديثا, نظرا لأهميتها وطرافتها وارتباطها بزمان ومكان محددين, وإذا كان النقد العربي القديم قد اكتفى بملاحظات ميزت الظاهرة عن سواها, وشعراءها عن غيرهم؛ فإن النقد الحديث قد قارب هذه الظاهرة وفق مناهج نقدية مختلفة سياقية ونسقية أضاءت كثيرا من جوانبها, ولكن مثل هذه الظواهر الأدبية الكبرى في تراثنا تظل بحاجه إلى مزيد من الكشف من خلال دراسة جزئياتها بعناية؛ لتعزيز نتائج سابقة, أو للوصول الى نتائج جديدة , ومن هنا اتخذ هذا البحث جزئية من جزيئات هذه الظاهرة الفريدة ميدانا له وهذه الجزئية هي : صورة مجتمع الشاعر جميل بن معمر العذري كما تجلت في شعره؛ من خلال تتبع أعضاء المجتمع الذي عاش الشاعر في وسطه من أقارب وأباعد وعامة الناس, كما تجلو في شعره أفرادا أو جماعات, من غير التطرق إلى صورة بثينة في شعر جميل؛ لأنها النصف الآخر من التجربة العذرية التي نسعى إلى معرفة موقف المجتمع منها سلبا وإيجابا, ولكن بثينة ستفرض نفسها على هذا البحث في مواطن مختلفة لاسيما حين كان الشاعر يعدها بديلا لمجتمعه أو لأفراد منه أو لأشياء مهمة في حياته. لسنا من الذين يعدون الشعر وثيقة دامغة على ما تضمنته من معان وأفكار وحوادث ولكننا وجدنا أن الشعر العذري لم يكن ترفا فنيا ولا فكريا بقدر ما كان تعبيرا عن قضية واقعية وتاريخية واجتماعية .

ولم نلجأ إلى الأخبار والقصص النثرية العذرية لمعرفة علاقة الشاعر بمحيطه الاجتماعي ولكننا استنطقنا شعره الذي صور تلك العلاقة  بعد أن قرأنا ديوانه بيتا بيتا وجمعنا منه مادة بحثنا. لقد اقتصر الشاعر في ذلك المحيط الاجتماعي المغلق على ذكر كل من العذال والوشاة والرقباء والأصدقاء وأهل بثينة وأهله هو, مشيرا إلى عامة الناس أحيانا وإلى المنافسين له في حب بثينة والمنافسين لبثينة في حبه, ولم يغب الحاكم عن شعر جميل وموقفه من الشاعر وتجربته العذرية. لقد وقف البحث أمام موقف كل هؤلاء من التجربة العذرية على اختلاف هذه المواقف بين السلب والإيجاب. وقد كشف البحث عن طغيان جبهة الأعداء في شعر الشاعر من عواذل ووشاة ورقباء وغيرهم.  لقد كانوا كثيري الدوران في شعره والمتهم الأول في فشل التجربة بينه وبين بثينة,  لقد كان موقفهم بوجه عام سلبيا عدائيا ...

أما الأصدقاء فلم يكونوا كثرا ولم يرد ذكرهم كثيرا, لقد تعاطفوا مع الشاعر في محنته ونصحوه لكي يتجاوزها, ولكن من غير جدوى, وكذلك كان عامة الناس أقرب إلى هذا الموقف, أما أهل الشاعر فقد بدوا منكوبين بابنهم الذي لج به الهوى فكانوا في موقف من يرثيه وهو حي. وأما أهل بثينة من أب وزوج وأخوه وأولاد عم؛ فقد كانوا دائمي الحضور في شعر جميل بما تميزوا به من موقف عدائي إلى درجة التربص بالقتل. وقد بين البحث في متنه صورة المنافسين لجميل في حب بثينة, والمنافسات لبثينة في حب جميل, وكان هذا هو الاستثناء الذي يعزز قاعدة  توحيد المحبوب في الحب عند العذريين, أما الحاكم فقد بدا في صف أعداء الظاهرة العذرية .

وهكذا يتبين للبحث أهمية التفسير الاجتماعي للظاهرة العذرية من بين تفسيرات أخرى تعرض لها الدارسون, وأن الشاعر جميل بثينة ضعيف الاندماج في مجتمعه أي منزو اجتماعيا؛ لأن العشق في الأصل نشاط داخلي لا خارجي لاسيما في مراحلة المتقدمة .

Downloads

Published

2024-01-14