في مفهوم اللغة عند دي سوسير
Abstract
لم يقدّم دي سوسير تعريفا حديّا للغة، لكنّه أظهر لها تصوّرا واضحا، من خلال ميزِه اللغةَ من الأمور الأخرى التي تُلابِسُ كلَّ حدثٍ لغويّ؛ لذا كان من غير المنطقيّ أن يُبْحثَ في كتاب دي سوسير عن نمط الحدود المألوفة في مدوّنات النحو العربيّ، أو أن يوزنَ كتابُه أو فصلٌ منه بتعريفٍ حدِّيٍّ، مهما كان قريبا من تصوّرات دي سوسير في شأن اللغة. وكان الدكتور حسام النعيميّ قد سلك هذا المسلك من الموازنة بين كتاب دي سوسير وحدِّ ابن جنّي اللغةَ بأنّها "أصواتٌ، يُعبِّرُ بها كلُّ قوم عن أغراضهم"؛ فناقش البحثُ ما قاله النعيميّ في هذا الشأن، وخَلُصَ إلى أنّ دي سوسير لم يسعَ إلى التعريفِ باللغة من زاوية واحدة، بل كان سعيُه إلى التعريف بها من خلال إبراز ملامحها العامّة، وسماتها البارزة، ومضامينها الخاصّة، التي تُظْهِرُ صورتَها الواضحة غير الملتبسة؛ من زوايا متعدّدة، تُظهرُ كلُّ زاوية منها واحدا أو غيرَ واحد من تلك المضامين والسمات والملامح التي من مجموعها يتحصّل مفهوم اللغة عند دي سوسير؛ إذ لا تنفهمُ اللغة عنده، من جانب واحد، بل من جوانب متعدّدة؛ فهي- عنده- حقيقة اجتماعيّة، وظاهرة سايكولوجيّة، وعلامة سيميائيّة، وشكلٌ لا مادّة، وراهنٌ معزول عن التاريخ، وبنية نسقيّة، ومجموعة من القيم الخالصة. وليستْ مضمونا واحدا من هذه المضامين، بل هي هذه المضامين كلّها. وهي مضامين لا تفي بإيضاحها الحدود المنطقيّة، بل يحتاج أمرُ جلائها إلى التوصيف، والشرح، والتدرّج في بناء المفاهيم.